سورة النحل - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنفُسِهِمْ} يعني نبيهم لأنه كان يبعث أنبياء الأمم فيهم منهم {وَجِئْنَا بِكَ} يا محمد {شَهِيدًا على هَؤُلآءِ} على أمتك {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب تِبْيَانًا} بليغاً {لّكُلِّ شَئ} من أمور الدين. أما في الأحكام المنصوصة فظاهر، وكذا فيما ثبت بالسنة أو بالإجماع أو بقول الصحابة أو بالقياس، لأن مرجع الكل إلى الكتاب حيث أمرنا فيه باتباع رسوله عليه السلام وطاعته بقوله: {أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول} [المائدة: 92] وحثنا على الإجماع فيه بقوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين} [النساء: 115] وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته باتباع أصحابه بقوله: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» وقد اجتهدوا وقاسوا ووطّئوا طرق الاجتهاد والقياس مع أنه أمرنا به بقوله {فاعتبروا يا أولي الأبصار} [الحشر: 2] فكانت السنة والإجماع وقول الصحابي والقياس مستندة إلى تبيان الكتاب فتبين أنه كان تبياناً لكل شيء {وَهُدًى وَرَحْمَةً وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ} ودلالة إلى الحق ورحمة لهم وبشارة لهم بالجنة.


{إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل} بالتسوية في الحقوق فيما بينكم وترك الظلم وإيصال كل ذي حق إلى حقه {والإحسان} إلى من أساء إليكم أو هما الفرض والندب لأن الفرض لا بد من أن يقع فيه تفريط فيجبره الندب {وَإِيتَآءِ ذِى القربى} وإعطاء ذي القرابة وهو صلة الرحم {وينهى عَنِ الفحشآء} عن الذنوب المفرطة في القبح {والمنكر} ما تنكره العقول: {والبغي} طلب التطاول بالظلم والكبر {يَعِظُكُمُ} حال أو مستأنف {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} تتعظون بمواعظ الله. وهذه الآية سبب إسلام عثمان بن مظعون فإنه قال: ما كنت أسلمت إلا حياء منه عليه السلام لكثرة ما كان يعرض علي الإسلام، ولم يستقر الإيمان في قلبي حتى نزلت هذه الآية وأنا عنده فاستقر الإيمان في قلبي فقرأتها على الوليد بن المغيرة فقال: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول البشر. وقال أبو جهل: إن إلهه ليأمر بمكارم الأخلاق وهي أجمع آية في القرآن للخير والشر، ولهذا يقرءُها كل خطيب على المنبر في آخر كل خطبة لتكون عظة جامعة لكل مأمور ومنهي. {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله إِذَا عاهدتم} هي البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام {إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} [الفتح: 10] {وَلاَ تَنقُضُواْ الأيمان} أيمان البيعة {بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} بعد توثيقها باسم الله. و(أكد) و(وكد) لغتان فصيحتان والأصل الواو والهمزة بدل منها {وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} شاهداً ورقيباً لأن الكفيل مراع لحال المكفول به مهيمن عليه {إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} من البر والحنث فيجازيكم به.


{وَلاَ تَكُونُواْ} في نقض الأيمان {كالتى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ} كالمرأة التي أنحت على غزلها بعد أن أحكمته وأبرمته فجعلته {أنكاثا} جمع نكث وهو ما ينكث فتله. قيل: هي ريطة وكانت حمقاء تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن {تَتَّخِذُونَ أيمانكم} حال ك {أنكاثا} ً {دَخَلاً} أحد مفعولي {تتخذ} أي ولا تنقضوا أيمانكم متخذيها دخلاً {بَيْنِكُمْ} أي مفسدة وخيانة {أَن تَكُونَ أُمَّةٌ} بسبب أن تكون أمة يعني جماعة قريش {هِىَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} هي أزيد عدداً وأوفر مالاً من أمة من جماعة المؤمنين. {هي أربى} مبتدأ وخبر، في موضع الرفع صفة ل {أمة} و{أمة} فاعل {تكون} وهي تامة و{هي} ليست بفصل لوقوعها بين نكرتين {إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ الله بِهِ} الضمير للمصدر أي إنما يختبركم بكونهم أربى لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله وما وكدتم من أيمان البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أم تغترون بكثرة قريش وثروتهم وقلة المؤمنين وفقرهم {وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ القيامة مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} إِذا جازاكم على أعمالكم بالثواب والعقاب، وفيه تحذير عن مخالفة ملة الإسلام {وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحدة} حنيفة مسلمة {ولكن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ} من علم منه اختيار الضلالة {وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ} من علم منه اختيار الهداية {وَلَتُسُئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} يوم القيامة فتجزون به. {وَلاَ تَتَّخِذُواْ أيمانكم دَخَلاً بَيْنَكُمْ} كرر النهي عن اتخاذ الإيمان دخلاً بينهم تأكيداً عليهم وإظهاراً لعظمه {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} فتزل أقدامكم عن محجة الإسلام بعد ثبوتها عليها. وإنما وحدت القدم ونكرت لاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق بعد أن تثبت عليه فكيف بأقدام كثيرة {وَتَذُوقُواْ السوء} في الدنيا {بِمَا صَدَدتُّمْ} بصدودكم {عَن سَبِيلِ الله}
وخروجكم عن الدين، أو بصدكم غيركم لأنهم لو نقضوا أيمان البيعة وارتدوا لاتخذوا نقضها سنة لغيرهم يستنون بها {وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} في الآخرة.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12